تونـس :- أربع ساعات ونصف الساعة في الطائرة، حملتنا من الكويت الى تونس، وما أن حطت بنا في مطار قرطاج حتى أيقنت بأن الرحلة الى هذه المدينة الجميلة لها طابعها ونكهتها المميزة، انها أوروبا العربية.. هذا هو الوصف المناسب الذي وجدته لها بعد أن قضيت في ربوعها الجميلة ستة أيام كانت كافية لأضمها الى قائمة المدن المفضلة لديَّ.
من يدخل تونس سيعرف كم هو جميل هذا البلد الرائع، لن يعرف ذلك الا من يزوره، لأن السياح العرب لم يكتشفوه حتى الآن بالصورة التي تتناسب معه، خرجت من المطار ووقفت أنتظر التاكسي ليقلني الى الفندق الذي يقع في حي قرطاج ــ تتكون تونس العاصمة من حيين قرطاج وتونس ـــ وخلال هذه الفترة أدركت أن السياحة الخليجية تجهل بلدا سياحيا من الطراز الأول هو تونس، طلبت من التاكسي أن يزودني بفكرة موجزة عن قرطاج ما دمت متوجها اليها، لم يتوقف عن الحديث الا عندما أوقف محرك السيارة أمام الفندق.. ياله من تاريخ عريق لهذه المدينة العتيقة الجميلة .
وصلت الفندق ظهرا، فكان لديَّ وقت كاف لمعرفة المدينة، وليس أفضل من شرب القهوة في مثل هذه الحالة للتخلص من عناء الرحلة الطويلة، كان أول شيء سمعته من السياح أثناء تناولي للقهوة في الفندق عن مدينة «سيدي بوسعيد» ومن ابتسامتهم التي كانت تطرز شفاههم وهم يتحدثون عنها قررت زيارتها.

المفاجأة.. سيدي بوسعيد

هذه القرية التراثية القديمة مثلت المفاجأة الأولى لي في تونس، لا تبعد سيدي بوسعيد عن الفندق كثيرا وتقع في قلب حي قرطاج وتسمى «عين تونس» لأن موقعها يشبه مكان العين في الرأس، فهي شيء مختلف، لم أشأ أن أسأل التاكسي الذي نقلني اليها عنها، وفضلت أن أعرفها بنفسي، انها مدينة قديمة يتجاوز عمرها 700 عام، ولكنها تبدو وكأنها فتاة صغيرة ولدت قبل سنوات عديدة ولا تزال تحتفظ برونقها وفتنتها.
بيضاء ناصعة البياض ترتدي حللا زرقاء تزيد من جمالها، تجذب السائح اليها من النظرة الأولى، لها مزاج خاص في التسوق منذ الخطوة الأولى، تذكر زائرها بأيام البحر الجميلة عندما كان الرومان يجوبون البحر الأبيض المتوسط.
تحمل ملامح أهل المغرب العربي في العصور الاسلامية وشعرت بأنني أعيش في أيام «دولة الموحدين» لم أفكر في أن أجلس في المقهى، بل تركت لقدمي العنان لتأخذني في رحلة في هذه المدينة العبقية الرائعة، انها متعة تقل نظيرتها في أي مكان آخر.
يوجد في مدينة سيدي بوسعيد فندق أربع نجوم لمن يحب أن يعيش أياما في عالم الماضي الجميل، وتملأ المحلات سوقها التراثي .. كلما سرت فيه ازددت حبا لهذه المدينة واحترمت خصوصيتها المميزة، وفي آخرها يقع مقهى بو سعيد ويسمى عند الأجانب ديس دي لكس ولا أعرف لماذا يسمونه كذلك؟

الشاي الأخضر

طلبت قهوة تركية فاقترح عليَّ الغرسون القرطاجي الأصيل أن يأتيني بالشاي الأخضر، لأنه جزء من تراث سيدي بوسعيد وتونس بصورة عامة، ولأنه يخفف الضغط كما قال ويرخي العضلات، لا سيما أن المقهى يقع في أعلى قمة في المدينة، كان المنظر خلابا لدرجة أن أحد السياح القريبين مني قال لي انه يأتي الى تونس من أجل الجلوس في هذا المقهى.
ومع حلول الليل، كنت قد انهيت فنجان قهوتي الرابع، اقترح علي الغرسون أن أذهب الى شارع الحبيب بورقيبة في وسط العاصمة، لم يكن يبعد أكثر من ربع ساعة بالسيارة عن مدينة قرطاج، وعندما توقف التاكسي على جانب الشارع وهممت بالنزول قال لي «انه شارع الشانزيليزيه التونسي» وصدق في وصفه .. كان يشبه الشارع الشهير في باريس لدرجة كبيرة سواء في المحلات أو في طبيعة الناس الذين يجوبون جانبيه، درجة الحرارة فيه 15 درجة مئوية والجميع فيه يرتدي الجاكيت الثقيل» تفاديا للبرد، انها اذاً فرصة رائعة لاحتساء الشوربة الدافئة أو البيتزا الحارة ثم دخول السينما أو حضور عرض مسرحي، لم أنته من تداول أفكاري حتى شاهدت لوحة رخامية على واجهة المبنى الذي أقف أمامه مكتوب عليها «المسرح البلدي»، سألت أقرب شخص لي عنه فأجاب «انه أقدم مسرح في المغرب العربي وعمره يتجاوز القرنين من الزمن»، ستكون ليلتي ثقافية مسرحية تراثية بعد الشوربة الدافئة.

حارتا عظم

أيقظتني مبكرا، كلمة قالها لي محمد موظف الاستقبال المناوب ليلا في الفندق ينصحني فيها بأن أشرب قهوة الصباح في احد مقاهي «المدينة العتيقة» في تونس لأشاهد كما قال حركة الناس التي لا تزال كما هي منذ العهد القديم قبل 1000 عام، تقع المدينة العتيقة في بداية شارع الحبيب بورقيبة الكبير وسط المدينة باتجاه القوس، هكذا عرفها لي الموظف،كانت لحظات رائعة وجميلة و«عتيقة» حقا، تمتد المدينة أكثر من 650 مترا تبدأ من قوس بورقيبة وتنتهي في جامع الزيتونة الشهير، يشقها طريق ضيق جدا تتوزع المحلات التجارية على جانبيه منذ العصر القديم، ولكنها لا تزال تضحك وتستقبل زائرها بابتسامة أصيلة، في منتصفها يقع مقهى لا يزال يرتدي جبة بيضاء اللون وقبعة حمراء كما كان في عصر الموحدين القديم، لم أفاجأ بعدد السياح الأجانب الذين سبقوني اليه على الرغم من أنني استيقظت مبكرا، ولكنني أعجبت كثيرا بحبهم وشغفهم بالتراث الجميل في كل مكان.
استقبلني الغرسون قائلا «ما رأيك في ان تفطر على العظم التونسي اليوم ؟» وقفت لحظة كأنها دهرا، ماذا يعني بأن أفطر على العظم، ولكنه استدرك كلامه وفسره قائلا «البيض في تونس يسمى عظما، ونحن نفتتح يومنا بحارتين من العظم» ويقصد بها بيض «عيون» المعروف عندنا.
التجول في المدينة العتيقة يحتاج الى يوم كامل، انها متعة سياحية حقيقية تستحق أن يسافر الانسان من أجلها، ويزورها شهريا أكثر من عشرة آلاف سائح من مختلف بلدان العالم، ويتعامل الباعة مع الزوار بلباقة عالية، ويدعون السائح للدخول الى المحل بكلمات أنيقة يبدو أنهم يختارونها بدقة، والجميل في الأمر أنهم صغار وكبار يتحدثون أكثر من سبع لغات مختلفة من أجل التعامل مع مختلف أنواع السياح.

أرقى الأحياء

سيجد السائح في تونس برنامج زيارته مزدحما بالعديد من الفقرات التي تحتاج الى تنظيم دقيق لوقته من أجل أن يستوعبها، هذا ما عرفته أثناء تناولي لوجبة «العظم» الشهية، وما أن انتهيت حتى كانت الفقرة التالية واضحة عندي، انها زيارة آثار قرطاج، ربع ساعة بالسيارة فقط وصلت بعدها الى منطقة الآثار الكبيرة، انها تاريخ شامخ لا يزال الى اليوم يستقبل السياح من كل مكان، تقع منطقة الآثار على البحر مباشرة تصنع مع زرقة مائه لوحة رائعة، وتحيط بها أرقى أحياء تونس العاصمة السكنية، آثار شامخة تحكي قصة حضارة كانت تسود المكان، ولوحات معمارية عجيبة الصنع، وأفواج من السياح تتنقل من مكان الى آخر من الآثار القديمة، وثلاثة آلاف سنة من الحياة، هذه هي زيارة آثار قرطاج، فرصة للتعرف على أقوام مضوا بعوالمهم الخاصة ولكن آثارهم بقيت خالدة، وقفت على المسرح الروماني وتخيلت نفسي قيصرا يخطب في قومه، لا بأس في ذلك فالخيال جزء مهم من ثقافة السياحة والترحال.

جسر خير الدين

يقع جسر خير الدين في منطقة الكرم على امتداد الطريق الواصل بين حي قرطاج وحي تونس في العاصمة، ويرتاده الناس في المساء ويتناولون العشاء على جانبيه، وهو من المعالم الشعبية التي أصبحت في الفترة الأخيرة فرصة للسياح الأجانب لتناول عشاء شعبي وقضاء أمسية شعبية تونسية من الطراز الأول.

الميناء القديم

تعتبر زيارة الميناء القديم من أجمل برامج الرحلة الى تونس، يقع الميناء في جنوب آثار قرطاج الشهيرة، وهو من أهم المعالم السياحية التي يقصدها السياح في المدينة، وهو عبارة عن رحلة في تراث المدينة التي تأسر زائرها بعبقها القديم.

جامع الزيتونة

يعتبر هذا الجامع أول جامعة اسلامية علمية بنيت عام 76 هجرية، وارتبط اسم تونس بهذا الجامع، الذي أصبح علامة بارزة من علامات السياحة والدين والعلم فيها، يقع بالقرب من العديد من المعالم القديمة والحديثة وسط المدينة، وهو امتداد لشارع الحبيب بورقيبة أروع الشوارع التجارية وأهمها في تونس العاصمة.

كنيسة القديس لويس

بنيت كنيسة القديس لويس عام 1890 فوق هضبة بيرصة تخليدا لذكرى الملك الفرنسي سانت الذي مات هناك عام 1270 أيام الحروب الصليبية في مدينة قرطاج وكان يزورها للتعرف عليها فوافته المنية فيها، وتعد الكنيسة احدى المعالم الهندسية الأوروبية في تونس ويزورها السياح للتعرف على معالمها الأوروبية القديمة التراثية.



المسرح البلـدي



جانب من سوق سيدي بو سعيد



قوس بورقيبة